Admin Admin
عدد المساهمات : 918 نقاط : 2668 شكرآ : 0 تاريخ التسجيل : 05/01/2010 الموقع : https://hamess.own0.com
| موضوع: رحيل أُمي ......( قصة حزينة ) السبت مايو 15, 2010 11:18 am | |
|
رحيل أُمي (قصة حزينة)
لقد كانت أُمّاً حنوناً، على الرغم ممّا كنّا نراه منها أحياناً. فكانت تُوبّخنا تُشاجرنا ونتخاصم معها، ولكننا لم نرد
يوماً خسارتها. لقد كانت كل شيء في حياتنا، فأنا لا أستطيع أن أحصي فضائلها علينا مهما كتبت وكتبت. ولكن،
شاء القَدَر أن تمرض، حيث جعلها المرض اللعين طريحة الفراش، ودخلت بسببه المستشفى، لكنّها لم تخرُج منه
إلّا جثة، وكأنني أراها الآن. كَم أتذكر آخر لحظة لها في الدنيا وهي على فراش الموت. كانت تقول بعينيها: "كم
أُحبّكم.. لا تتركوني". كأنّها كانت ترسم بعينيها ودموعها أمَل الحياة من جديد، لكي ترانا حولها نكبر، وترعانا.
كانت تُتمتم: "سأشتاق إليكم".. آه، لقد أنهكها المرض، فلم تعد لها قدرة على الصمود ولا الصبر. لكنّنا كنّا دائماً
إلى جوارها، أذكُر أنني كنتُ أمسك يديها بشدّة، وكأنني سأجتثها، أطلب منها ألّا تَرحَل، وأبكي دموعاً جامدة لا
أستطيع إخراجها وحملها في آن معاً. وكان أخي حائراً، ماذا يفعل أو يقول؟ فهو الأصغر بيننا، وليس في أيدينا
سوى الدُّعاء، وتلك الدموع. جميعنا كنّا حولها متحلقين حزينين، وكأنّ الكلمات انْدثَرت، والحروف صمتت. نعم
كنّا نتمزّق جميعاً من الحزن.
أمّا أنا، فلم أحتمل الموقف، فخرجت إلى الطبيب الذي كان يُشرف ويُتابع حالتها، وانهلت عليه بالضرب وأنا أبكي
بشدّة، فلم يُبعدني عنه أحد.. حتى هو، لعلَّهم كانوا يرون ويُدركون الأسَى والحزن الذي يحفر في داخلي، أو كأنه،
كان يرى اليُتم في مَدامعي. حينها قال لي الطبيب "ابكي واضربيني، لعلّ ذلك يُخفِّف عنكِ ألمكِ يا ابنتي". بعدها،
لم أتذكر شيئاً سوى أنني استيقظت وأنا على فراش في إحدى غُرف المستشفى، وإلى جانبي أخي خالد وأختي
عزيزة، فعلمت أنّه قد أغمي عليَّ. بعدها، قمت من سريري وتوجهنا أنا وخالد وعزيزة إلى الغرفة التي أودِعت
فيها أُمّي الحبيبة، فتقدّمت وفتحت الباب ورأيتها مُقفلة العينين، فخشيت أنّها قد تكون ودّعت الدنيا، اقتربنا منها،
فرأيت جفن عينها يرف، فهدأت قليلاً، فأخذَت عزيزة المصحف الشريف، وجلست إلى جوارها تتلو الآيات
الكريمة، وكان أبي إلى جوارها طوال الوقت، إلّا أنه كان نائماً من شدّة التعب. بعدها توجهنا إلى المنزل، تاركين
أبي معها، داعين المولى عزّوجلّ، أن يشفيها. وعندما وصلنا إلى المنزل لم نستطع النوم، حيث كان البيت مُوحشاً
يعمّه هدوء مُزعج. أخذ خالد يسأل ويُكرِّر أسئلة لا إجابة لها، أو بالأحرى إجاباتها صعبة. احتضنته وأجهشت
بالبكاء. قالت عزيزة: "لنحاول النوم، إنّ الله سبحانه معنا". مَرّت ساعات قليلة، استيقظنا على رنين هاتف
المنزل، الذي بدأ صوته يعجّ المكان.
ردَّت أختي على المتّصل، وإذا بأبي يقول: "تعالوا جميعكم الآن فأُمّكم في حاجتكم". كان صوته هادئاً، لكننا كنّا
نضع أيدينا على قلوبنا من الخوف. ذهبنا وكان الصبح قد بدأ بالظهور. وصلنا إلى المستشفى، وكان الصمت
والهدوء يعمّان المكان. وما إن وصلنا إلى غرفة أُمّي، فوجئت بما رأيت غير مُصدِّقة. لقد كانت أُمّي رحمها الله،
مُغطاة بالثوب الأبيض، فأغمي على أختي عزيزة، التي لم تتمالك أعصابها من شدّة الموقف. أمّا خالد، فلم يُفارق
جثتها الممدّدة على السّرير، في حين كان أبي الرجل القوي.. الضعيف بيننا، متماسكاً، صابراً على هذا البَلاء،
عَلّهُ يُخفِّف عنّا هذه المصيبة. عدنا بها إلى المنزل كي تتم مراسم الدفن. لقد فارقت الشمعة بيتها إلى الأبد، فارقت
أبناءها الثلاثة الضِّعاف. لقد كانت أختي عزيزة في العشرين من العمر، وأنا في السابعة عشرة، أمّا أخي خالد،
مُدلَّل أُمّي، رحمها الله، فكان في الخامسة. كنّا في أمسّ الحَاجَة إليها، ولكن كان القدر سبّاقاً في أن يحتضنها في
ذلك المكان المُعتِم. ها قد مضت على وفاتها مدّة أربع سنوات، ولم نستطيع النسيان، ولا التأقلم مع الواقع المر.
رحمها الله، ورحم جميع الأُمّهات.
| |
|