Admin Admin
عدد المساهمات : 918 نقاط : 2668 شكرآ : 0 تاريخ التسجيل : 05/01/2010 الموقع : https://hamess.own0.com
| موضوع: وصف الدين.. ... في القرآن الكريم الخميس يونيو 10, 2010 6:20 am | |
|
وصف الدين.. في القرآن الكريم
القارئ العزيز.. كما تعلم أنّ للدِّين ثلاثة أضلاع، هي (العقيدة) و(الشريعة) و(الأخلاق)،
هنا سنشرح لك صورة الدين(*) على مرآة القرآن الكريم:
- أولاً: أوصاف القرآن وتسمياته للدِّين
ملاحظة: أيّ تسمية أو وصف للدِّين في القرآن الكريم لا تؤخذ بمعزل عن التسميات والأوصاف الأخرى،
فالدِّين هو كلّ ما وصفه به القرآن، وإن كانت بعض التسميات كلِّية شاملة مثل: "الإسلام". وفيما يلي إستعراض
سريع لتلك الأوصاف الحاملات لدلالات كبيرة وغنيّة:
1- (الدِّين = الإسلام):يقول تعالى: (إنّ الدِّينَ عند اللهِ الإسلام) (آل عمران/ 19).
الإسلام: هو الإقرار والتصديق والطاعة، وخلاصته الانقياد والاستسلام لأوامر الله ونواهيه التي جاء بها
النّبي (ص) من عنده تعالى.
2- (الدِّين = الصِّراط المستقيم):
يقول تعالى: (قُل إنّني هداني ربِّي إلى صراطٍ مستقيمٍ ديناً قيماً ملّة إبراهيمَ حنيفاً وما كان من المشركين)
(الأنعام/ 161).
الصّراط المستقيم: خطّ الإيمان والمنهج الإلهي الذي يمثِّله الخضوع لأوامر الله ونواهيه سواء في العقيدة أو
الشريعة أو الأخلاق، وهو الإسلام، وهو طريق الأنبياء الموصل إلى الجنّة.. إنّه "خطّ السّير".. إنّه
(خارطة الطريق).
3- (الدِّين = الحقّ):
قال تعالى: (هُوَ الّذي أرسلَ رسُولهُ بالهُدى ودينُ الحقِّ) (التوبة/ 33).
دين الحقّ، أي الدِّين المنسوب إلى الحقّ، أي غايته الحقّ، فما دام هو من عند الله الحقّ فهو حقّ.
4- (الدِّين = دينُ الله):
قال تعالى: (أفغيرَ دينِ اللهِ يَبْغونَ ولهُ أسْلَمَ مَنْ في السّماواتِ والأرْضِ طَوْعاً وكرهاً وإليه يُرجَعُون)
(آل عمران/ 83).
الإسلام دين كلّ الكائنات السماويّة والأرضية التي لا تصلح ولا تستقيم ولا تسعد إلّا به، ولا تجرّ مخالفته إلّا
الانحطاط والتخلّف والتِّيه والخسران العظيم، فكيف نطلب ما يُضرّ ويُفسد، ونترك ما ينفع ويُسعد؟!
5- (الدِّين القيِّم)!!
يقول تعالى: (ذلكَ الدِّين القيِّم ولكنّ أكثر النّاسِ لا يعلمون) (الرّوم/ 30).
القيِّم: من القيمة وهي الشيء النفيس، والقيِّم من القيمومة، أي هو المسؤول والمشرف والمهيمن على مَن هم دونه،
فالأب قيِّم العائلة، والدِّين الإسلامي قيِّم الأديان كلّها، وهو الذي يقوم على إدارة شؤون الحياة والإنسان
بجميع مرافقها.
6- (دين اليُسْر)!!
قال تعالى: (وما جَعَلَ عليكُم في الدِّينِ من حَرَج) (الحجَ/ 78).
الحرج: المشقّة، والله يريدُ بعباده اليُسر لا التشديد والتضييق، إلّا إذا كان في التضييق والتشديد مصلحة عامّة
أو خاصّة، وهو هنا رحمة وليس ضرراً.
7- (الدِّين الكامل)!!
قال تعالى: (اليومَ أكملتُ لكُم دينكُم وأتَمْتُ عليكُم نعمتي ورضيتُ لكُم الإسلامَ ديناً) (المائدة/ 3).
كمال الدِّين، وتمام النِّعمة، والرِّضا بالإسلام ديناً، كلّها مؤشّرات على عظمة الدِّين الإسلامي الذي يغطِّي مساحة
الحياة كلّها، ويقود الحياة كلّها إلى الكمال والنِّعم والسلام. فليس هناك فراغ أو شيء لم يقل فيه الإسلام
أو الدِّين كمّله.
ثانياً: مستلزمات ومتطلِّبات هذا الدِّين
دعا القرآن إلى الاهتمام بالدِّين من حيث:
1- إقامة الوجه له:
قال تعالى: (وأن أقِم وجهكَ للدِّينِ حنيفاً ولا تكونّنّ من المشركين) (يونس/ 105).
إقامة الوجه للدِّين = الإقبال عليه بالتوجّه بثبات ومن غير انحراف. فالدِّين هو نقطة الهدف التي تتّجه الأنظار
كّلها إليها، وعندما تتطلّع الوجوه إلى الدِّين وتتحرّك الخطى كلّها باتجاهه: فكراً ومشاعرَ وسلوكاً، فعندها يمكن
أن يُقال أنّها متديِّنة.
2- إقامته:
(أقيمُوا الدِّين ولا تتفرّقوا فيه) (الشّورى/ 13).
يوصَف الإسلام بأنّه "عُصارة الشّرائع" النّبويّة السابقة؛ لأنّ دعوته للتوحيد (لا إله إلّا الله) ليست جديدة، بل
هي دعوة جميع الأنبياء، وإقامة الدِّين تعني تحريكه بنشاط وفاعليّة في كلّ زمان ومكان، وأنّ آفة الدِّين التفرقة؛
لأنّه أكبر عوامل الوحدة، فإذا انقطع حبل الدِّين فلا يبقى هناك ما يربط الناس ويشدّ أواصرهم بقوّة كقوّته.
3- الإخلاص فيه:
(وادعوهُ مُخلِصين لهُ الدِّين) (الأعراف/ 29).
لا عبوديّة إلّا لله، ولا طاعةَ ولا خضوع ولا انقياد ولا استسلام أو تسليم إلّا له.
- "دينُ الفِطرة":
يقول تعالى: (فأقِم وجهكَ للدِّينِ حنيفاً فطرةَ اللهِ التي فطرَ النّاس عليها لا تبديلَ لخلقِ اللهِ ذلكَ الدِّين القيِّم
ولكنّ أكثرَ النّاسِ لا يعلمون) (الرّوم/ 30).
الدِّين ليس فكرة خارجيّة تدخل إلى الذِّهن وتردُ إليه من هنا وهناك، بل هو حالة عميقة متجذِّرة في نفس الإنسان،
أي مركّبة فيه منذ أن يُخلق، ولذلك فالدِّين ينبعث من ذات الإنسان ويتفاعل في عقله ليتحوّل إلى فكرٍ وشعورٍ
ومعاناةٍ والتزام.
هو في أصل الخلقة وليس شيئاً طارئاً عليها.
- "الدِّين الخالص":
قال تعالى: (ألا للهِ الدِّين الخالِص) (الزّمر/ 3).
الدِّين الخالص أي الصّافي من كلّ الشوائب، والرافض لتعدّد الأرباب والآلهة، والأهواء والشّهوات والتصوّرات
الوهميّة، والوساطات والشّفاعات والقرابات إلّا لمَن ارتضى، فالله تعالى وحده لا شريك له، ولا معبودَ سواه،
وحتّى طاعة الأنبياء هي طاعة له، فليس هناك طاعتان، بل طاعة واحدة فقط لا غير.
- "لا إكراهَ في الدِّين":
يقول تعالى: (لا إكراهَ في الدِّينِ قد تبيّنَ الرُّشدُ منَ الغَيِّ فمَن يَكفُرُ بالطّاغوتِ ويُؤمنُ بالله فقد استمسك بالعُروةِ
الوثقى لا انفصام لها) (البقرة/ 256).
الدِّين قناعة فكريّة داخليّة، فلا يُفرَض فرضاً، وإنّما هو كماء الينبوع إذا وجد الفرصة السانحة تدفّق.. فبعدما يقدِّم
البراهين الصادقة والواضحة على أنه دين الحقّ، وأنّ سواه الكفر والباطل والضّلال والتفاهة، فإنّ العقل ينجذب
إليه بلا إكراه، وهدف الجهاد في الإسلام ليس إكراه الناس على الدِّين، بل دعوتهم للدِّين على اعتبار أنّ الدِّين لله،
وأنّ مَن يبتغي غيره لن يُقبَل منه. وكّل طاعة ما لم تكن متفرِّعة أو منبعثة عن هذه الطاعة فهي معصية، وهي
طاعة أخطأت سيرها واتجاهها وهدفها.
4- التفقّه فيه:
قال تعالى: (وما كانَ المؤمنونَ لينفروا كافّة فلو لا نفرَ من كلِّ فرقةٍ منهم طائفة ليتفقّهوا في الدِّينِ وليُنذِروا قومهُم
إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون) (التّوبة/ 122).
النفير = الجهاد، والقرآن هنا يدعو إلى المعرفة الدينيّة وضرورة نشر الوعي الديني، فلا يصحّ أن تخرج الأمّة
كلّها للجهاد ولا يبقى مَن يفقِّه الناس في دينهم، إلّا في ظروف خاصّة تستوجب النفير العام.
التفقّه في الدِّين = معرفة مفاهيمه وأحكامه، ممّا يعني وجود جماعة متخصِّصة في أمور العقيدة والشريعة يُسمّون
(الفقهاء) يرجع الناس إليهم في معرفة أمور دينهم.
5- النُّصرةُ فيه:
قال تعالى: (وإن استنصروكُم في الدِّين فعليكُم النّصر) (الأنفال/ 72).
يقول الدِّين رافعاً عقيدته: "مَنْ سمع منادياً يُنادي: يا للمسلمين فلم يُجبهُ فليس بمسلم".
المسلم يقع في أزمة.. يقع في محنة فيطلب الغوث والعون والنصرة. وعلى المسلمين أن يُجيبوه بحسب إمكاناتهم
وإلّا أثموا، فنصرُ المتديِّنين من الدِّين.
6- رفض استغلاله:
قال تعالى: (يا أيُّها الّذينَ آمنُوا إنّ كثيراً من الأحبارِ والرُّهبانِ ليأكُلونَ أموالَ النّاسِ بالباطلِ، ويصدّونَ عن سبيلِ
اللهِ، والّذينَ يكنزونَ الذّهبَ والفضّة ولا يُنفقّونها في سبيلِ اللهِ فبشِّرهُم بعذابٍ أليم) (التّوبة/ 34).
ليس لله وكلاءٌ، وليس ظلُّ على الأرض، ولا وسطاءَ مُنتدَبون، فحتّى الأنبياء لم يجعل الله لرجلٍ من قلبين من
جوفه، أي لم يجعل له ولاءين: ولاء لله وولاء لغير الله، فهذا شرك، والله يرفض الشِّرك، ولذلك قال تعالى:
(لكُم دينكُم وليَ دين) أي أنّه يرفض اقتراح المشركين بأن يكون هناك (دينان) أو (عبادتان)، بل هو دين واحد
فقط لا غير.. وعبادة واحدة ليس لها ثانٍ، وكلاهما لله تعالى وحده.
- "لا غلوّ في الدِّين":
قال تعالى: (يا أهلَ الكتابِ لا تغلُوا في دينكُم وملا تقُولوا على اللهِ الحقّ) (النّساء/ 171).
الغلوّ: مجاوزة الحدّ. فلا غلوّ في (الاعتقادات) ولا غلوّ في (الممارسات)، بل الدِّين توجيه للإنسان لكي يسير
في خطّ الحقِّ ليحصل على الخير من خلاله.
لذلك يمكنك أن تقول بثقة واطمئنان: إنّ كلّ إفراط وتطرّف في الدِّين هو ليس من الدِّين في شيء.
وفي سبب نزول الآيات:
(طه * ما أنزَلْنا عليكَ القُرآنَ لتَشقى) (طه/ 1-2).
يقول المفسِّرون نقلاً عن الروايات أنّ النّبي (ص) كان يعبد الله كثيراً فيُكثر القيام والوقوف في العبادة حتّى
تورّمت قدماه، فأمره الله أن لا يُحمِّل نفسه كلّ هذا التعب والمشقّة، وقال له لا تجهد نفسك إلى هذا الحد.
ولاحقاً، قال (ص) في توجيه الأمّة إلى نهج الاعتدال: "إنّ هذا الدِّين متين فأوْغِلْ (ادخل) فيه برفقٍ، فإنّ المنبتّ
(التائه الذي يواصل سيره) لا ظهراً أبقى (أي يتعب راحلته ودابّته) ولا أرضاً قطع (أي لم يصل إلى هدفه)"!!
وهذا هو منهج الاعتدال والتوازن في التربية الدينيّة.
هم عبادُ الله الّذين يطيعونه ويعملون بما أمرهم به، وليس بين الله وبين أحد قرابة، حتّى أنّ النّبي (ص)
كان يُخاطب عمّته (صفيّة) وابنته (فاطمة) وبني هاشم أنّه لا يُغني عنهم من الله شيئاً، ويطلب منهم
أن يعملوا على مكانتهم كما هو عامل.
- "هذا من الدِّين":
حتّى نشخِّص الأمور بشكل واضح فلا يختلط علينا ما هو دين بما هو ليس بدين أو هو غريب من الدِّين وقد حُشر
أو زُجّ به، دعونا نسمِّي بعض الأشياء تسمية صريحة أنّها من الدِّين لأنّها توافقه وتنسجم معه في روحه العامّة،
ونؤشِّر على البعض الآخر على أنّه ليس من الدِّين لأنّه يتعارَض ويتناقض ويتنافى معه.
وكقاعدة عامّة، فإنّ كل ما جاء في القرآن الكريم من (الأخلاق الحميدة) والأوامر الإلهية هو من (الطّيِّبات)
وفيه المصلحة، وهو سبيل من سُبل السعادة، وهو دين.
إنّ العناوين التالية التي سنذكرها هي في الحقيقة آيات قرآنيّة يمكنك أن تتّبعها في القرآن الكريم:
1- الوفاء بالعهود والعقود والأيمان (اليمين = القسَم) والنذور = دين.
2- إباحة الزينة وأكل الحلال والطيِّبات = دين.
3- قول الّتي هي أحسن (اختيار أفضل وأطيب الكلام) = دين.
4- الإحسان للوالدين والأقرباء واليتامى والمساكين والجيران والأصدقاء = دين.
5- الإصلاح بين الناس المتخاصمين = دين.
6- التحيّة (السّلام) والاستئذان والضيافة = دين.
7- الشورى والتشاور وتبادل الرأي ومشاركة الآخرين في عقولهم = دين.
8- السعي والعمل وكسب العيش والسعي في الأرض = دين.
9- اللّطف بالآخرين وعدم بخسهم حقّهم، وعدم السخرية منهم، وعدم اغتيابهم والتجسّس عليهم = دين.
10- التأمّل والتفكّر وإعمال العقل = دين.
11- العفو والصّفح وكظم الغيظ ومقابلة الإساءة بالإحسان = دين.
12- طلب العلم والتعلّم ونشر العلم والعمل به = دين.
13- الإنفاق في سبيل الله والتصدّق والزكاة والكرم = دين.
14- الاتِّحاد والتعاون، واتِّباع الصّراط المستقيم، ومؤازرة أهل الحقّ = دين.
15- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والدّعوة إلى الله تعالى = دين.
16- أداء العبادات وإقامتها على وجوهها الصحيحة: صوماً، صلاةً حجّاً، زكاةً، جهاداً = دين.
وبمختصر العبارة.. الدِّين: حضارة إنسانية راقية، وكلّ أسلوب حضاري يلتقي مع إنسانيّة في عقله وعمله
وأخلاقه الطيِّبة، فهو دين.
- من الدِّين أيضاً مواقفُ كهذه:
1- رأى رسول الله (ص) شخصاً كثير العبادة وقد سكن المسجد لهذا الغرض، فسأل: مَنْ يعوله
(أي مَنْ يتكفّل برزقه)، فقيلَ له: أخوه (أي يعمل ويعطيه) فقال (ص): "أخوهُ أعبَد منه"!
عمل المتفرِّغ للعبادة والمُلقي مسؤوليّته على أخيه ليس من الدِّين، أمّا عمل أخيه فهو من الدِّين، لأنّ العامل
عابدٌ أيضاً، أي يؤدِّي عباداته ويعمل، والعمل في الإسلام عبادة، وأمّا الأوّل فمترهبن ولا رهبانيّة في الإسلام.
وفي مثل هذا، نُقِلَ للنّبي (ص) عن شخص وُصِفَ بأنّه (خيِّر)، فقال النّبي (ص): وما علامته؟
(أي كيف هو خيِّر)، فقالوا: خرج معنا حاجّاً فإذا نزلنا (للإستراحة أو للطّعام) لم يزل يُهلِّل (يقول: لا إله إلّا الله)،
وكان الآخرون يعدّون له طعامه. قال (ص): (كلّكم خيرٌ منه)، لأنّ النّبي (ص) نفسه لم يكن يميِّز نفسه عن
أصحابه حتّى في السّفر وإعداد الطّعام.
2- جيء لعمر بن الخطّاب بأعرابي قتل شخصاً لأنّه قتلَ بعيره، فأراد يقتصّ منه، فأخبرهُ أنّ له أخاً صغيراً،
وعنده (أي عند الأعرابي) مال مدخر من أبيه لا يعلم به أحد، فإن أمهلهُ حتّى يُخبره، فإنّه يعود للإقتصاص منه.
طلبَ عمر ضماناً، فنظر الأعرابي بوجوه الجالسين واختارَ أباذرّ الغفاريّ، وقبلَ أباذرّ ذلك على أن يعود
الأعرابيّ بعد ثلاثة ايام.
في اليوم الثالث جاء الأعرابيّ، فتعجّب الجُلساء من وفائه، فقال: بادرتُ لكي لا يُقال ذهبَ (الوفاءُ) من الناس!!
وقال أباذرّ: أنا لا أعرف الرّجل لكنّني قبلتُ الضمان لكي لا يُقال ذهب (المعروف) من النّاس.
وقال أهل القتيل: عفونا عن القاتل لوفائه، لكي لا يُقال ذهب (المعروف) من النّاس.
ولمّا أراد عمر أن يصرف دية أبيهم من بيت المال (عوض القتيل)، رفضوا قائلين: إنّما عفونا عنه ابتغاء وجه
الله، ومَن نيّتهُ هذه لا يُتبع إحسانه منّا ولا أذى!!
3- كان لأخوَين حقل ورثاهُ عن أبيهما، وكان أحدهما متزوِّج وله عدّة أولاد، والآخر أعزباً، وكانا يزرعان الحقل
معاً، ويقسمان المحصول، وكان المتزوِّج يرأف بحال أخيه الأعزب، فيقول: إنّ أخي صغير ويعيش لوحده،
وهو بحاجة إلى مساعدتي ليقف على قدميه ويبني حياته، فيضيف من حصّته إلى حصّة أخيه.
وكان الأعزب يقول في نفسه: إنّ أخي متزوِّج وله عيال، وهو أحوج منِّي إلى الزيادة في حصّته، فكان يضيف
من حصّته إلى حصّة أخيه، فباركَ الله لهما في زرعهما ورزقهما، فكان الحقل يُنتج أضعاف ما تُنتجه الحقول
المماثلة.
والقصص الواقعيّة التي تُعبِّر عن التديّن الحقيقي كثيرة لا مجالَ هنا للتوسّع في استعراضها،
وإنّما ذكرنا بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
- "ليس هذا من الدِّين":
والقصص المنافية للدِّين كثيرة جدّاً، نستشهد ببعضها فقط، إذ يكفي أن يخالف الإنسان أمراً لله أو نهياً له ليكون
العمل خلاف الدِّين.
ولذلك فإستغلال الدِّين كشعار، والتستّر بزيّة، والتفكير، وقتل الأبرياء بالجملة، والقتل على الهويّة، والمنافيات
الأخلاقية والمفارقات السلوكية هي من المخرجات من الدِّين، أو الممهِّدات بالإخراج منه، حتّى أنّ النّبي (ص)
كان يقول لمَن لايزال يحمل صفة أو خُلقاً من أخلاق الجاهليّة: "إنّك امرؤٌ فيكَ جاهليّة" أي لاتزال تحمل بعضاً
من رواسبها.
وكان (ص) يقول: "مَنْ مدحَ أخاهُ المؤمن في وجهه واغتابهُ من ورائه، فقد انقطعَ ما بينهما من العِصْمة".
وكان يقول: "مَنْ أتى ذا ميسرةٍ (رجل غنيّ) فتخشّع له (تذلّل له) طلب ما في يديه
(أي لكي يحصل على شيء من ماله) ذهب ثلثا دينه".
فهذه الأحاديث – ولها نظائر أُخرى – تدلّ على أنّ الدِّين ليس مجرّد كلمة تُقال، أو شعاراً يُرفع، وإنّما هو
(موقف)، فقل لي أيّ موقف وقفت، أقول لك: أنتَ متدِّين أم لا.
1- سمعَ أعرابيّ رسول الله (ص) يقرأ قوله تعالى:
(إنّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُرْبى وينهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي يعظكُم لعلّكم تذكّرون)
(النّحل/ 90).
فقال له: كلامُ مَنْ هذا يا محمّد؟!
قال النّبي (ص): هذا كلامُ الله!
فقال الرجل لمَن حوله: إنّ هذا لو لم يكن ديناً لكانَ في أخلاقِ الرجال حَسناً!!
فما أروع مقالة هذا الأعرابيّ الذي لامست كلماتُ الله تعالى فطرته فتفتّحت كما تتفتّح الزهور لامسها النّدى،
إنّه يختصر علينا كلاماً طويلاً: فلو لم تكن العقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية، والأخلاق الإسلامية ديناً،
لكان حريّاً بالناس أن يأخذوا بها؛ لأنّها طريق سعادتهم وضمان صلاحهم. ولِمَ لَم ينه الله عن الأخلاق الفاسدة
المذمومة، لكان جديراً بالناس أن يتركوها لأنّ فيها فسادهم وخراب حياتهم وسبب شقاقهم.
نذرَ أحد المسلمين أن يصوم قائماً في الشمس، فسمع النّبي (ص) بذلك، فأمرهُ بإتمام صيامه، ونهاهُ عن القيام في
الشمس، لأنّ الله لم يعتبر تعذيب النفس سبباً أو شرطاً في التقرّب إليه، فليست المشقّة نفسها السبب في رضا الله،
وإنّما رضاه تعالى في كلِّ صالح قد يستوجب أو يستلزم المشقّة.
2- رُوِيَ أنّ (سُمّرة بن جُندب) كان له عذق (نخلة) في حائط (بستان) لرجل من الأنصار، وكان منزل
الأنصاري بباب البستان، وكان سُمّرة يمرّ بالمنزل على نخلته ولا يستأذن. فكلّمه الأنصاري أن يستأذن فأبى،
فجاء إلى رسول الله (ص) يشتكيه، فأرسلَ إليه رسول الله (ص)، وقال: إن أردتَ الدخول فاستأذِن، فأبى.
فساومه النّبي (ص) قائلاً: خلِّ عنه (اتركه) ولكَ مكانه عذق في مكان كذا، فقال: لا، قال: فلكَ إثنان،
قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتّى بلغ عشرة أعذاق، فقال له: لا، قال: فلك عشرة في مكان كذا وكذا، فأبى،
فقال (ص): خلِّ عنه ولك مكانه عذق في الجنّة، قال: لا أريد.
فقال له رسول الله (ص): إنّكَ رجلٌ مضارّ (تحبّ الإضرار بالآخرين)، ولا ضررَ ولا ضِرار على مؤمن.
ثمّ أمرَ رسول الله (ص) بالنخلة فقُلعت ثمّ رميَ بها إليه، وقال (ص): إنطلِق فاغرسها حيث شئت!
3- لمّا نصَب معاوية بن أبي سفيان ولده (يزيد) ولاية العهد وكان معروفاً بفسقه، جاء رجل وقال لمعاوية:
إعلم لو أنّك لم تولِّ هذا أمور المسلمين لضاعت.
فقال معاوية لرجل متديِّن اسمه (الأحنف) وقد رآه ساكتاً: ما لكَ لا تقول يا أبا بحر؟!
فقال الأحنف: أخافُ الله تعالى إن كذبت (في مدحكم)، وأخافكم إن صدقت (في ذمِّكم).
ولمّا خرج الأحنف لقيه الشخص المنافق بالباب، فقال: يا أبا بحر! أنا أعلم أنّ هؤلاء من شرار الخلق،
ولكن في أيديهم خزائن الأموال، ولسنا نطمع بإخراجها إلّا بما سمعت!
فقال الأحنف: يا هذا! أمسك عليك دينك، فإنّ ذا الوجهين (المنافق) خليق. ألا يكون عند الله وجيهاً
، وإذا وُلِّيت الأمور لغير أربابها ضاعت!!
| |
|